لماذا نحب الوحدة
لماذا نحب الوحدة؟
حياتنا لم تعد بسيطة أصبحت أكثر تعقيدا وازدحاما، فتتشابك المصالح وتتقاطع وتنتج المزيد من الأشخاص والعلاقات سواء كنا قد اخترناهم ام فرضتهم علينا الظروف فمنهم من نرتاح لهم ومنهم من نضطر لمجاملتهم سواءأكانت علاقات في العمل أو الدراسة أو الجيران.
كثرا منا يحاول احيانا ان يسلك طريقه وحيدا ويعود لمنزله بسلام ان يمر يومه دون ازعاج من أي أحد أو أن يتهرب من حضور حفلة او اجتماع ما.
أولا: هل الوحدة هي هروب من الواقع او محاولة خلق مسافة أمان؟
هذا الميل نحو الانسحاب، الذي قد يبدو للبعض هروبًا، رآه عالم النفس الأمريكي جون كاسيوبو من زاوية مختلفة تمامًا. ففي تجربته البحثية التي امتدت لسنوات في جامعة شيكاغو، كشف أن الوحدة ليست دائمًا ضعفًا في التواصل، بل قد تكون استجابة بيولوجية لحماية الذات، تشبه الألم الجسدي في طريقة معالجتها داخل الدماغ.
وفقًا لكاسيوبو، فإن بعض الأفراد ينسحبون من العلاقات لا لأنهم يكرهون الآخرين، بل لأنهم يحاولون الحفاظ على نواة الذات من التآكل، في عالم تتشابك فيه المصالح وتُستهلك فيه الأرواح تحت مسمى "الضرورة الاجتماعية" لى موقع الجمعية الأمريكية لعلم النفس (APA)، حول كتابه Loneliness: Human Nature and the Need for Social Connectionhttps://psycnet.apa.org/record/2008-07755-000
اي ان تجنبك لمكالمة صديقك الطويلة ليس ضعفا بل ادراك ان طاقتك لا يجب أن لاتهدر في دوائر لاتنتهي وأنك تستحق لحظة هدوء لاتقاطعها مطالب الآخر. وإن امتناعك عن دخول في مهاترات جارك ليس تهربا أو ضعف تواصل وإنما رغبة منك أن تنأى بنفسك عن الدخول الى ساحه معركة لاتشبهك فتختار ان تكون على مسافة آمنة وبعيدة عن أنظار وتطفلات الآخرين.
ثانيا:هل الوحدة هي السبيل للعودة الى الذات الطفل الداخلي
الوحدة احيانا تكون بوابة للعبور الى ذواتنا الأصلية التي لا يشوبها نفاق او مجاملة أو مكابرة
نحن بحاجة لكي نصغي الى صوتنا الداخلي حيث رغباتنا المكبوتة وأحاسيسنا المنسية والمتجاهلة لكي نصقل جوهرنا الداخلي كي يسطع بريقه للخارج ويرشدنا للعبور بطريق يشبهنا ويتقبلنا كما نحن.
ثالثا : هل الوحدة ممكن أن تكون حالة إنتقالية بين مرحلتين من الذات؟.
نعم وبعمق فلسفي ممكن أن تكون الوحدة كالبرزخ تفصل بين مرحلتين بين ما أنا عليه وما سأكون عليه اي بين الذات القديمة والذات الممكنة.
فكثيرا ماتستوقفنا لحظات يقظة لبرهة من الزمن للعودة مجددا الى ذواتنا و إلقاء نظرة عن كثب لما نحن عليه ومانشعر به ولماذا نشعر به و لمحاولة تغييره يجب علينا ان نكشفه ونعريه جيدا ثم النهوض من جديد وبحالة اخرى واقوى من أنفسنا في كل مرة وكأننا نكشف في كل مرة نعود بها الى انفسنا جرحا جديدا نضمده ونضع عليه اكسيرا للحياة يجعلنا ننهض من جديد.
رابعا: هل الوحدة ملاذا من الضجيج الاجتماعي؟
ليست الوحدة دائما هروبا بل قد تكون رفضا واعيا للضجيج الكي لا يشبهنا
حين يصبح صوت النفاق الخارجي اعلى من صوتنا الداخلي وتفرض علينا الحياة الاجتماعية قيود كثيرة تعيق حركتنا لا لشي بل لانها تخضع لنظام جماعي لا يشبهنا وانما يشبه الاكثرية
نختار ان نسلك طريقا سهلا بسيطا يتماشى مع رغباتنا
فنبتعد عن مجاملات لاتحمل بطياتها الا الكذب والتكلف ونهرب من مجادلات لاتشدنا الا للعراك بالطين و لمعارك لاتعنينا ان نخرج منها منتصرين بقدر ما يهمنا ان نخرج منها سالمين
فنعلن انسحابنا كرفضا لهكذا قيود ومسؤوليات لان مسؤوليتنا الاساسيةحماية ذواتنا من الإستنزاف بلا
سبب
خامسا: الوحدة مساحة للإبداع الفني والفكري :
في لحظات السكينة والعودة الى جوهرنا نكتشف ذواتنا دون تشويش نرى جمالنا الداخلي وجواهرنا فتنبثق الأفكار للكاتب بغزارة وينسج عباراته بترابط اكثر ويمسك الفنان ريشته بمودة اكثر
فالانحازات تصنع بصمت وبعيدا عن مرأى الجميع. حتى إن إمكانية تحقيق اهدافك تكون أكبر حين لاتشاركها مع غيرك قبل أن تكتمل
> وهكذا، لا تكون الوحدة هروبًا بقدر ما هي عودة.
> عودة إلى الذات التي ضاعت بين الأصوات، إلى الأفكار التي لم تجد فسحة للظهور، وإلى الجمال الداخلي الذي لا يُرى إلا حين يهدأ كل شيء.
> في حضن الوحدة، لا نختبئ، بل نُعيد ترتيبنا، نُرمّم شقوقنا، ونُصغي لما لم يُقال.
> فربما كانت الوحدة، في جوهرها، ليست عزلة بل مساحة مقدّسة للخلق، وللصدق، وللتحوّل.
تعليقات
إرسال تعليق